بدايات ونهايات



أتفق تماماً معك في أننا أبناء النهايات، نحن نتائج نهايات كل ما حدث في حياتنا، بدءًا بانتهاء صداقة طفولة وليس انتهاء بنهاية علاقة عاطفية بائسة. حين أنظر إلى حياتي يبدو لي أنني أستطيع أن أذكر تماماً بدايات الأشياء التي مررت بها، اللحظة الحاسمة التي وقعت فيها في الحب، اللقاء الأول بصديقةٍ جديدة، اليوم الأول في المدرسة أو الجامعة ولكن النهاية لا تكون محددة الملامح مثل البدايات، أراها دوماً أمراً ضبابياً، فلا شيء ينتهي بلحظة واحدة، هي سلسلة طويلة من النهايات الصغيرة المتتابعة تتراكم إحداها فوق الأخرى لتصنع لنا نهاية كبرى. في الحب تبدأ النهاية بنقص الاهتمام، رسالة يتم تجاهلها لساعاتٍ، مكالمة لا يُرد عليها، نسيان موعدٍ، غياب لمسة يد، نظرة فقدت معناها وهكذا تتراكم التفاصيل حتى تتبلور النهاية الكبرى.  وهذا ما يميز النهايات عن البدايات، البداية حازمة، محددة، واضحة لا لُبس فيها، لأننا لم نكوّن بعد شعوراً محدداً تجاه الأشياء والأشخاص الذين نلتقيهم، بعكس النهاية، نحن نحب هذا الصديق، نريد أن نتمسك به، نريد لكفّةِ اللحظات الجميلة أن تحسم الأمر، ونريد أن نمنح عدداً لا نهائياً من الفرص لأننا نخشى الاعتراف بأننا اخترنا الدرب الخطأ، الشخص الخطأ، الوقت الخطأ لفعل هذا الأمر أو ذاك ولهذا نحارب باستماتة لإصلاح الآخرين بما يتناسب معنا. نريد قولبة مَنْ وما نحب في قوالبنا الخاصة ولا ندرك إلا في وقت متأخرٍ جداً أننا فشلنا وأنه كان يجدر بنا الانسحاب في وقتٍ مبكر.

ولهذا فإن مشاعرنا الناتجة عن هذه النهايات العديدة هي ما صنع منا ما نحن عليه اليوم، ننضج ربما، نتعلم الدرس مهما كان قاسياً وبهذا نتشكل من جديد، مرة بعد الأخرى وعاماً بعد آخر، نعيد تركيب ذواتنا بما تعلمناه من تجاربنا بأوقاتها الحلوة والمرة وندرك أن النهاية لم تكن مخيفة بالقدر الذي ظنناه وأن البدايات الجديدة لم تكن صعبة بقدر ما كان يُهيئ لنا.

نبال قندس 

Comments

Popular posts from this blog

رسائل ما بعد منتصف الليل

رسالة إلى صديقٍ غريب - نبال قندس

لم يكن وحيداً، كانت لديه مكتبة