Posts

Showing posts from May, 2020

بدايات ونهايات

Image
أتفق تماماً معك في أننا أبناء النهايات، نحن نتائج نهايات كل ما حدث في حياتنا، بدءًا بانتهاء صداقة طفولة وليس انتهاء بنهاية علاقة عاطفية بائسة. حين أنظر إلى حياتي يبدو لي أنني أستطيع أن أذكر تماماً بدايات الأشياء التي مررت بها، اللحظة الحاسمة التي وقعت فيها في الحب، اللقاء الأول بصديقةٍ جديدة، اليوم الأول في المدرسة أو الجامعة ولكن النهاية لا تكون محددة الملامح مثل البدايات، أراها دوماً أمراً ضبابياً، فلا شيء ينتهي بلحظة واحدة، هي سلسلة طويلة من النهايات الصغيرة المتتابعة تتراكم إحداها فوق الأخرى لتصنع لنا نهاية كبرى. في الحب تبدأ النهاية بنقص الاهتمام، رسالة يتم تجاهلها لساعاتٍ، مكالمة لا يُرد عليها، نسيان موعدٍ، غياب لمسة يد، نظرة فقدت معناها وهكذا تتراكم التفاصيل حتى تتبلور النهاية الكبرى.   وهذا ما يميز النهايات عن البدايات، البداية حازمة، محددة، واضحة لا لُبس فيها، لأننا لم نكوّن بعد شعوراً محدداً تجاه الأشياء والأشخاص الذين نلتقيهم، بعكس النهاية، نحن نحب هذا الصديق، نريد أن نتمسك به، نريد لكفّةِ اللحظات الجميلة أن تحسم الأمر، ونريد أن نمنح عدداً لا نهائياً من الفرص لأننا نخشى الا

رسائل ما بعد منتصف الليل

Image
الواحدة بعد منتصف الليل كان يفترض بي   أن أكتب لكَ قبل رحيلي، وأن اعتذر عن كل الأشياء القاسية التي قُلتها أثناء جدالاتنا المتكررة، عن كل المرات التي أخفقت فيها في اصلاح الصدع الذي كان يكبر بيننا وعن كل الكلمات التي لا يمكن استرجاعها بعد البوح بها. لا يمكن أن أُنكِر، لقد كان عاماً مذهلاً هذا الذي قضيناه معاً، لكن مثل كل الأشياء هناك نهاية حتى للأيام السعيدة التي نود لو تبقى للأبد. لن تصدق هذا لكنني وددت لو أبقى إلى جانبك ذاك المساء نمشي معاً حتى ساعات الفجر الأولى على شاطئ البحر ثم ألوّح لك وأنا ابتعد نحو منزلي وتصير يدي مثل حمامة بيضاء تطير إليك. لكن شيئاً أقوى مني كان يشدني بعيداً عنك، بقيت أقاومه طوال الوقت حتى تمكّن مني في نهاية المطاف. يؤسفني أنني لم استطع منع نفسي من المغادرة وأنني حين ودعتكَ للمرة الأخيرة التي كنتَ تظن أنها مثل كل المرات السابقة وداع قصير لساعاتٍ نلتقي بعدها في مقهانا المفضل على الطاولة الملاصقة للنافذة وكنت أعرف أنه فراقنا الأخير وأنني لن أراك أو أسمع منك لأعوام. الثانية بعد منتصف الليل تصعب الكتابة عن هذا، لأنني أدرك كم تبدو سخيفة محاولات تبرير أمرٍ لا

لوحة

Image
شقة فارغة ونافذة كبيرة بإطار أبيض تُطلُ على البحر ويومٌ أول لأمرأةٍ وحيدة في المدينة. امرأة ظلت تهرب من الماضي، تُبدّل المدن كما تبدل ثيابها كل صباح. تغمض عينيها وتمر بيدها على مجسم صغير للكرة الأرضية تحمله في حقيبة سفرها، وتختار عشوائياً مدينة جديدة تطير إليها.  كلما أقلعت طائرة، بدأت رحلتها في التخفف من ذكرياتها، تُعيد تَمرير شريط حياتها مثل فلمٍ حفظت كل مشهد من مشاهده، ومرة بعد أخرى تُلقي عن كاهلها واحدة من الذكريات. تعيد ترتيب المشهد من جديد بحيث لا تكون هناك، تريد أن تُخفي أي أثر لها بحيث لا تعود الذكرى تخصها. وتترك فراغاً كبيراً، فراغاً لا يُمكن ملئه؛ هكذا تستطيع أن تنسحب من كل ذكرى لئيمة كانت تدمي قلبها وهكذا كانت تشعر أنها أكثر خفة من ريشة تطفو في الفضاء وأنها حققت انتقامها في نهاية المطاف من حياة لم ترغب بها يوماً. بدأت رحلتها في اليوم الذي ضاقت فيه شوارع مدينتها، كانت المدينة تَصغر شيئاً فشيئاً، تصير الطرقات أضيق، تنخفض السماء كما لو أنها تريد أن تسحقها، وتشعر كما لو أن المكان ما عاد يتسع لها، تسأل مَن حولها عن تفسيرٍ لما يحدث لكن يبدو أن لا أحد يلحظ هذا الضيق سواها. لا مسافة