Posts

Showing posts from 2015

رسالة

Image
20 تشرين الثاني قدّرت أن أي خطوة للأمام سوف تكلفني حياتي، ولهذا وقفت متيبسة كأن قدّمي دُقَّتا إلى الأرض بمسامير غليظة وأي خطوة ستتطلب مني جهداً لم أعد أحمله في هذه اللحظة على وجه الدّقة . لم يعد في وسع أحد أن يفعل شيئاً، وأدرك أنني اليوم لم أعد بحاجة إلى مزيد من المواساة أو حتى الحظ. لقد كان قراراً اتخذته بملء إرادتي بعد أن رتبت أوراقي وفكرت لعدة شهور فيما سأقدم عليه. وهكذا ستعرفون حين تقرأون هذه الرسالة - التي قد يجدها أحدهم في جيبي الأيمن - أنني لم أتواجد هنا عبثاً أو بمحض الصدفة . لقد قدمت   طلب استقالة من العمل، ووافق عليه المسؤول المباشر بعد جهد حثيث. كانت هذه هي الخطوة الأيسر على الاطلاق. فلم يكن العمل يوماً، ذاك الشيء الذي يشكل عائقاً أمام أي مشروع من مشاريعي المجنونة. وهكذا أزحت العثرة الأولى التي تحول ما بيني وبين الهاوية بعد أن كنت قد رسمت على مكتبي الرثّ في الغرفة المعتمة، مخططاً يصف الطريق ما بين هنا، الذي كان حينها "هناك" وما بين هناك الذي هو هنا الآن. وشعرت بارتياح عميق عندما ازحت أول عائق من أمامي . كنت أعرف أن الجزء الأصعب، سيكون التخلص من أ

مسافات

Image
المسافة لا تقاس بالمترات بل بتلك الحرارة المنبعثة من الأجساد. من مدى الدفء الذي نشعر به مع كل ملمتر واحد. هكذا فقط يصير القريب بعيدا والبعيدُ قريباً . هكذا يصير مشوار الألف ميل على بعد لمسة يد، وتصير اليد الباردة الملامسة جباهنا أبعد مسافة في العالم .  البعض، يولدون ملائكة، هالة من نور ودفء. غمامة من عطر لا مثيل له على وجه الأرض. صوت أنفاس تعرف كيف تتحدث أكثر من أصحابها. تعرف كيف تبتكر أبجدية من العناق والقُبل. أبجدية من اللمسات . نحن الكائنات الوحيدة المثيرة للدهشة، لأننا عرفنا   كيف نعجن السحر والكلام ونصنع منه ما يدعو الحب. وعرفنا كيف نصنع من جناحنا الناعم قوة ومن أمنياتنا حمامات سلام . كيفك أنت؟ هذا ما يقوله قلبي، هكذا تفقد لغتي نفسها أمام هذا الغروب، هكذا يصير لاسمي ألف معنى ولصوتي ألف نغم. وأعود أيضاً مجرد طفلة لا تعرف من العالم إلا بديهياته . تومض أضواء السيارات، ويزداد الليل حلكة، ويغمر الغروب كل شيء كشالٍ حريري يغطي كتفي امرأة تنتظر في ليلة ماطرة خلف النافذة . الأسود، أساطير عصور قديمة، وحكايات تقصّها الجدات على الحفيدات فيحلمن كل يوم بفرسان شجعان وخيلٍ أصيلة تُ

راكب المقعد الأمامي - نبال قندس

Image
مرة أخرى، لكن في المقعد الأمامي. يتكئ رأسه على يدّه اليمنى التي بدورها تستند إلى حافة النافذة. يمكنني أن أرى من موقعي بعض الشعر الأبيض الذي بدأ يغزو رأسه في هذا العمر المبكّر. أظافره مرتبه بطريقة تجعلك تتعجب أن هذه اليد، يدُّ شاب . يضع سماعات الهاتف في أذنيه، لا مبالياً بصوت فيروز في مسجل الحافلة .  يرتدي سترة سوداء جلدية، شعره مقصوص حديثاً على ما يبدو .  يلتفت إلى اليمين قليلاً فأستطيع مشاهدة رموشه التي تكاد تلامس السماء .  الشاب إلى جانبه، ينظر إليه بطرف عينه بين حين وآخر. والشابة إلى جانبي تنام على كتف امرأة إلى جانبها، لا تكترث مثلي بهذه الوجبة الروائية الدسمة التي تجلس أمامي . ليس رجلاً عادياً على كل حال، فبوسعي أن أراه في رواية ما، بطلاً، أو فارساً نبيلاً على ظهر جواده . صمته وهدوءه يدفعان امرأة ما إلى ملاحقته إلى آخر العالم لفكّ هذا الغموض المحيط به. قد تلحق بهِ إلى الحرب لتراه في بدلة عسكرية التي تمنح عينيه بعضاً من لونها، فيصير لهما لون زيت زيتون مضيء . وقد تكتب له ألف رسالة، تمرّرها له فلا ينتبه وتضيع الرسائل . وقد تعتزل العالم أعواماً طوال لتكتب فيه رواية واحد

رسالة إلى صديقٍ غريب - نبال قندس

Image
حياتي لم تكن سهلة، عليّ أن اعترف بهذا. ها أنا أحارب منذ ألف عام ولا أدري حتى اللحظة إن كانت حروبي ستنتهي أم لا . الأمر أشبه بالغرق يا صديقي. حتى الصدفة، والحظ، لن يتيحا لي الارتماء على حافة النهر في لحظة عبور غريب يكتشف وجودي قبل خروج النفس الأخير، بل ستقودني إلى البحر، حيث الغرق أكبر. وهذا ليس تشاؤماً، فأنا أعبد الأمل ! لقد كانت مأساتي أنني لم أفقد الأمل حتى الآن، الأمل بماذا؟ لا أعرف ولا أريد أن أعرف المهم أن الأمل موجود في هذه الحياة وهذا كافٍ بالنسبة لي لأُمرر انتصاراتي الصغيرة من الفتحات الضيقة للحياة . أما بعد أيها الصديق، ولماذا أكتب إليك في الساعة الخامسة فجراً، فحتى أنا لا أدري ! لا تتعجب من الأمر، ولا تتعجب من كلمة صديقي أيضاً، لنفترض أننا أصدقاء وهكذا ببساطة ينتهي الأمر . على أي حال وقبل أن تدق الساعة الخامسة فجراً، ورغم أنّي لست مضطرة لتبرير الكتابة إليك في هذا الوقت، إلا أنني سأخبرك . دخلت حافلةً ما وجلست بجوار النافذة وفتحت كتاب السفينة لأكمل القراءة كما اعتدت أن أفعل منذ سبعة أو ثمانية أعوام. أنا صديقة الحافلات لأنها تمنحني المزيد من الوقت للقراءة. المهم وكي ل

لقد اختاروا لي قبراً - نبال قندس

لقد اختاروا لي قبراً. حدث هذا قبل عامٍ ونصف من الآن، وكان قبراً سيئاً على أي حال، فهو كافٍ لنصف طولي تقريباً وحتى إن تكورت وانكمشت على نفسي فلا أظن أن باستطاعته احتوائي .  ليس هذا وحسب، فأنا كائن انطوائي وأحب الأماكن الهادئة وكان هذا القبر هو الأقرب للطريق. فقد كان يُطلُّ على شارعين، وكما لو أنهم يروجون لمحلٍ تجاري وليس قبراً كانوا ينظرون لهذه النقطة كعامل إيجابي. فقد كان أحمد يقول لي: "قبرك يطلّ على شارعين أحدهما شارع رئيسي، هل تتصورين هذا؟ لن تشعري بالوحدة، سيمر الكثيرون من   هنا ليل نهار " لكنني لم أستطع التصالح مع هذا القبر أبداً، لقد كنت أكرهه وأخشاه، وكل يوم حين أمر عشرات المرات من أمام المقبرة باتجاه موقع العمل ذهاباً وإياباً طوال النهار، كنت أحث الخطى مع بداية سور المقبرة حتى نهايته، كما لو أنني كنت أخشى أن يخطفني الموتى قبل الأوان ويدسونني في ذلك القبر الضيق. كما لو أن الموت لا يتواجد إلا في حدود تلك المقبرة ! ليس هذا وحسب، لقد كان الجميع على علمٍ بأمر هذا القبر، فكلما زارنا أحدٌ كان يتبرع واحد من الزملاء بالتحدث عن قبري وشرح ميزاته. وعبثاً كنت أحاول اقناعهم أن
قبل عدة أيام أردت أن أكتب، حيث كان يحتشد في صدري كلام كثير وكنت أظن أن الكلام سينساب بكل سهولة على الورق كما اعتدت أن أفعل دائماً حين تحيطني هالة شعورية ضخمة. لكن وبينما كانت الكلمات تتسابق وتتصارع أيها سيُكتب أولاً وجدت أن يدي وقلمي لا يسير بالسرعة ذاتها التي تهدر بها ذاكرتي ومخيلتي. وأن هذه الأفكار لن تجلس بسهولة على الورق . كان الأمر مروعاً، كارثة عظيمة بالنسبة لي. جُمَل غير مترابطة. طريقة وصف سيئة. فقرات لا علاقة بين الواحدة والأخرى . حاولت اصلاح الأمور كما كنت أفعل سابقا   حين أفقد الترابط فأعود لقراءة ما كتبت من البداية حتى المكان الذي وصلت إليه فتعود انسيابية النص من جديد لكن هذه الحيلة لم تنجح أيضاً . في تلك الساعات شعرت بالهزيمة والقهر والمرارة. كما أنني حقدت على نفسي بشكل غير مسبوق من قبل لأنني مسؤولة عن هذه الكارثة فخلال هذا العام لم أكتب شيئاً يذكر، أعني النصوص الطويلة أو القصص، وكان كل ما أكتبه لا يتعدى بعض العبارات القصيرة. على الرغم من أن مخيلتي خلال العام جادت عليّ بأفكار عظيمة ورؤوس أقلام لقصص وحكايات ستكون خلابّة لو كتبتها . كان الأبطال يعيشون في ذاكرتي، أ

هوس الثقافة: نزوة عابرة أم بارقة أمل؟؟

Image
في الآونة الأخيرة راودني هذا السؤال كثيراً، "هل بقيَّ أحدٌ من أصدقائي الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي لم يُؤلف كتاباً؟" أو سأطرح السؤال بطريقة أخرى "هل نجد لدى الشباب العربي هوايات أخرى غير الكتابة، أم أننا جميعا، أصبحنا شعراء وروائيين؟" لقد بدأت هذه التساؤلات ترد إلى ذهني مع بدء معرض القاهرة الدولي للكتاب، تحديداً حين امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات الكتب المتوفرة في المعرض، وأثناء تصفحي لمنشورات الأصدقاء، تفاجأت بعدد الأصدقاء الذين قاموا بنشر كتب في العام المنصرم، تحديداً الأشقاء في بلاد الشام ومصر والخليج العربي. وما فاجأني أكثر هو إقبال الشباب على القراءة لأقرانهم، إما لأن الفريق الأول يُعبر عن أفكار ومشاعر الفريق الثاني، أو لأن الفريق الثاني يرى في الفريق الأول مثال النجاح، وقدوة يحتذى بها، لمجرد أنهم قاموا بنشر كتب ولديهم بضعة آلاف من المتابعين. وقد شاهدت رفضاً حازماً من فريق ثالث يرى أن الكتب الجديدة، مجرد هراء لا يضيف للأدب العربي أي جديد، بل على العكس يُقلل من قيمته ويسيء له. وقد أضحكني منشور لصديقة مصرية على الفيس بوك تقول: "

جنودُ يحملون الورد - معرض نون انكتاب للكتاب المستعمل

Image
كما خلق الله الذين يقتلعون زهور الروح، وينثرون بذور الحقد والحرب، أوجد أيضاً من يزرعون في قلوبنا من كل صنفٍ ألف وردة. وكما أرسل في الأرض من يعيثون فساداً، أرسل من يحملون على أكتفاهم جرار الماء الذي نسقى به بساتين أيامنا. لم يُترك هذا العالم وحيداً لمواجهة الجبابرة والطغاة. على العكس تماماً، مقابل كل جندي يحمل بندقية ليرفعها في وجهنا، هناك جنديٌ من صُلبنا، جاء يحمينا، ويقدّم لنا أسباب السعادة. هكذا كان معرض نون، وهكذا كان المتطوعون والمنظمون والرعاة الذين تعبوا وفكروا وقاموا بكل شيء لأجلنا. لتدخل السعادة والبهجة إلى أرواحنا. ثلاثة أيام أخرجتنا من روتين الحياة، ومن تعب العمل، ومن همّ الحروب والقتل والصراعات الطويلة على لا شيء. ثلاثة أيام تمنيت وكثرٌ غيري أن تستمر لوقتٍ أطول، وأن تمتد إلى مساحات أوسع، لتصل إلى كل العالم وتدخل البهجة على جميع القلوب. كم نحن عطشى لفعاليات مثل هذه، تشعرنا بإنسانيتنا، وأن باستطاعتنا اقتناء الكتب المتنوعة، والحديث عنها مع أصدقاء صاروا أصدقاءنا حين التقينا في حديقة/ساحة المعرض، تعلمنا منهم وتعلموا منا. غَرَفنا من ماء أنهارهم، والتقت جداولنا. ل