هوس الثقافة: نزوة عابرة أم بارقة أمل؟؟

في الآونة الأخيرة راودني هذا السؤال كثيراً، "هل بقيَّ أحدٌ من أصدقائي الافتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي لم يُؤلف كتاباً؟" أو سأطرح السؤال بطريقة أخرى "هل نجد لدى الشباب العربي هوايات أخرى غير الكتابة، أم أننا جميعا، أصبحنا شعراء وروائيين؟"
لقد بدأت هذه التساؤلات ترد إلى ذهني مع بدء معرض القاهرة الدولي للكتاب، تحديداً حين امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات الكتب المتوفرة في المعرض، وأثناء تصفحي لمنشورات الأصدقاء، تفاجأت بعدد الأصدقاء الذين قاموا بنشر كتب في العام المنصرم، تحديداً الأشقاء في بلاد الشام ومصر والخليج العربي. وما فاجأني أكثر هو إقبال الشباب على القراءة لأقرانهم، إما لأن الفريق الأول يُعبر عن أفكار ومشاعر الفريق الثاني، أو لأن الفريق الثاني يرى في الفريق الأول مثال النجاح، وقدوة يحتذى بها، لمجرد أنهم قاموا بنشر كتب ولديهم بضعة آلاف من المتابعين.
وقد شاهدت رفضاً حازماً من فريق ثالث يرى أن الكتب الجديدة، مجرد هراء لا يضيف للأدب العربي أي جديد، بل على العكس يُقلل من قيمته ويسيء له. وقد أضحكني منشور لصديقة مصرية على الفيس بوك تقول: " معرض الكتاب الدولي برعاية "أنا رايح أنشر كتاب، تحب أنشرلك معايا؟" ومنشور آخر من صديق سوري كتب في حسابه : "صار لازم أنشر كتاب ليكون الأكثر مبيعاً، والله لأقبر الفقر". ومنشور ثالث "الأخت اللي هناك: نشرتي كتاب؟ الأخ اللي وراها :نشرت كتاب؟ فاضل حد لسا عاوز ينشر كتاب؟ يلا قبل ما نقفل" ومنشور رابع من صديقة تقول: " لم أعرف أحداً من الكُتاب في حفلات التوقيع؟ متى أصبح كل هؤلاء شعراء وروائيين؟".

بالنسبة لي، أتفاءل أحياناً ثم أصاب بحالة من الإحباط، فكم يبدو الأمر جميلاً حين ترى هذا الإقبال الكبير على القراءة، واقتناء الكتب، خاصة بين فئة الشباب. لكن المشكلة تظهر عندما تُمعن النظر في نوعية الكتب المقروءة. فالشاب الذي يبدو مثقفاً في نظر البعض لمجرد أنهم شاهدوه يقرأ كتاباً، ستكتشف مدى هشاشة ثقافته، لو طرحت عليه بعض الأسئلة. 

إذن المشكلة تكمن في ماذا نقرأ، وكيف نبني ثقافة على أساس متين، عوضاً عن وضع أعمدتنا على تربة هشة بدون أساس يحملها .فأنا –على الصعيد الشخصي-  لا أرى بأساً في البدء بقراءة كتب سهلة وبسيطة، لكن المصيبة أن نرضى بأن نظلّ على الدرجة الأولى من السلم، دون أن تمنحنا هذه الدرجة الشغف والقدرة لصعود درجات أخرى أفضل. فالقارئ الذي يكتفي بأن يكون في المستوى الأول، لن يأخذ من الثقافة الحقيقة الشيء الكثير. فمهمتنا الآن أن نبحث عن الكتب التي تستحق القراءة، والتي ستفتح أمامنا الآفاق، وتوسّع من مداركنا، وأن ننوع في مجالات الكتب المقروءة لنأخذ من كل بستانٍ زهرة. فمرة نركب الخيل إلى حديقة التاريخ، نُتبِعها بتحليقٍ إلى عالم الفلك والفضاء، ونسافر في السيَّر الذاتية، وقليلٌ من الشعر والأساطير في كُل العصور.

أما بالنسبة للمؤلفين، فمنهم من اتجه للكتابة بدافع الحب والشغف، وهذا إن حدث وأصدر كتاباً رديئاً، فإنني استبشر به خيراً، لأن الحب والطموح يدفعان بالإنسان إلى تطوير نفسه والاستفادة من أخطاءه وعثراته، مما سيؤدي إلى اكتسابه المهارات اللازمة لكتابة ما هو أفضل في المرات القادمة.  في حين أن الذين اتجهوا للكتابة بصفتها "الموضة الدارجة" هذه الأيام والتي ستدُّر عليهم من الشهرة والمعجبين الكثير، فقاموا بتأليف الكتاب تلو الآخر في أزمنة قياسية، حتى أن أحدهم ينشر في العام الواحد كتابين وثلاثة كما لو أنه يسابق الزمن ويسابق أفكاره، دون أن يترك لعقله فرصة للتنفس والتأمل واكتساب الخبرات، فسوف نراه يتحول سريعاً لموضة أخرى ذاع صيتها.
٢٣-شباط-٢٠١٥ 

نبال قندس


الصورة بعدسة الصديق بندر جازي

Comments

  1. بصراحة اتمنى ان تكون الكتابه هواية الجميع ، يا سلام لو كل الناس شعراء و روائيين
    العالم هيتغير بدرجه كبيرة و ممكن يكون اجمل بكتير الافكار هتبقى قريبه و الكل بيحاول يبدع و دا شئ جميل
    اما السلبيات هتكون افضل ، اكيد الكتاب الكبار هتكون اعمالهم معروفه يومها بقى هيكون النقد افضل انت مستواك مثلا 5% حاول تحسن نفسك فى كذا و كذا و كذا الكل هيحاول يكون افضل و يبدع افضل
    الثقافه العامه عند الشعب هتبقى الثقافه
    الكتابه مش حكر على الكتاب الكبار سيبو الناس تحاول تبدع حتى لو وحش يومها نقوله انت وحش علشان كذا حاول تاخد بالك المره الجايه و المره الجايه هتكون احسن

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

رسائل ما بعد منتصف الليل

رسالة إلى صديقٍ غريب - نبال قندس

لم يكن وحيداً، كانت لديه مكتبة