"لا تحب بِكُلّكْ"



أعرف تماماً شعور الخذلان الدميم، أعرف ما يعنيه أن تخسر صديقاً وثقت به، فقد خُذلت مراتٍ ومرات من أصدقاء وأحباء، فقدتُ على مدى السنوات العشر الأخيرة، عدداً لا بأس به من الأصدقاء ولهذا أفهمك تماماً وأفهم ما تشعر به. هذه الغصة التي تَعلق في سقف الحلق مثل لقمة لا يمكنك بلعها أبداً.  ولكن كما قلتَ نحن نتعلم من تجاربنا رغم قسوتها وهذا ما يجعلنا ننضج، رغم أن صديقتي المقربة تقول أننا يجب أن نتعلم أيضاً من تجارب الآخرين "لماذا أخوض تجربة ما وأنا أرى نتائجها السيئة على غيري، الشاطر هو من يتعلم أيضاً من كيس غيره وليس من كيسه فقط كما يقول المثل بالعامية" ولكنني مثلك، على مدى سنوات كنت أُصر على أن أجرب بنفسي، أن أتعلم من تجربتي مهما كانت التجربة قاسية، لقد أردت أن أُجرب، أن أمنح الفرص للآخرين، أن أراقب ما يحدث وكان لهذا ثمناً غالياً دفعته من عمري وطاقتي الصحية والنفسية. هكذا نتعلم فيصير بوسعنا تقليل عدد هفواتنا المستقبيلة، هكذا نتعلم قول لا للشخص الذي يبدأ معنا بطريقة نعرف تماماً أنها لن تنتهي على خير، نتعلم كيف ندير ظهرنا، وكيف ننسحب في الوقت المناسب وكيف نبتعد عمن يريد استنزافنا. ولكن علينا أن نفهم جيداً أننا لن نتمكن دائماً من تجنب هذه العثرات، مهما بلغت تجاربنا ومعرفتنا، سنتعثر مجدداً لكن لنحاول قدر الإمكان أن نجعل العثرات أقل، فعدد المرات التي يقع فيها الطفل أرضاً تقل مع الزمن، أليس كذلك؟

في إحدى روايات واسيني الأعرج، تقول شقيقة البطل له "لا تُحب بِكُلك، خلي شوية ليك عشان تقدر توقف على رجليك" وأنا أتفق اليوم معها رغم أنني لم أوافق على هذه العبارة حين قرأتها قبل أكثر من عشرة أعوام، كنت أؤمن أننا حين ندخل تجربة ما، ليس الحب فقط، أي شيء آخر، علينا أن ننجرف بكلنا، أن نخوض الأمر بكل كياننا دون التفكير بالعواقب ولكن اليوم أرى كم كانت حكيمة هذه الشقيقة وأن علينا أن نُبقى شيئاً لنا، شيئاً من العقل إلى جانب العاطفة لنتمكن من الوقوف مرة أخرى بعد السقوط أرضاً. شيئاً يُعيننا على الصمود، كي لا نموت بعد فقد صديق خذلنا أو حبيب تخلى عنا، أو مشروعٍ فشلنا في تنفيذه. علينا أن نُخبئ رصيداُ من طاقتنا للأيام الصعبة التي يصير فيها حدث صغير مثل فتح عينيك صباحاً ومغادرة سريرك  وغسل وجهك كفاحاً لا يمكنك تنفيذه.

نبال قندس 

Comments

Popular posts from this blog

رسائل ما بعد منتصف الليل

رسالة إلى صديقٍ غريب - نبال قندس

لم يكن وحيداً، كانت لديه مكتبة