قبل عدة أيام أردت أن أكتب، حيث كان يحتشد في صدري كلام كثير وكنت أظن أن الكلام سينساب بكل سهولة على الورق كما اعتدت أن أفعل دائماً حين تحيطني هالة شعورية ضخمة. لكن وبينما كانت الكلمات تتسابق وتتصارع أيها سيُكتب أولاً وجدت أن يدي وقلمي لا يسير بالسرعة ذاتها التي تهدر بها ذاكرتي ومخيلتي. وأن هذه الأفكار لن تجلس بسهولة على الورق.
كان الأمر مروعاً، كارثة عظيمة بالنسبة لي. جُمَل غير مترابطة. طريقة وصف سيئة. فقرات لا علاقة بين الواحدة والأخرى.
حاولت اصلاح الأمور كما كنت أفعل سابقا حين أفقد الترابط فأعود لقراءة ما كتبت من البداية حتى المكان الذي وصلت إليه فتعود انسيابية النص من جديد لكن هذه الحيلة لم تنجح أيضاً.
في تلك الساعات شعرت بالهزيمة والقهر والمرارة. كما أنني حقدت على نفسي بشكل غير مسبوق من قبل لأنني مسؤولة عن هذه الكارثة فخلال هذا العام لم أكتب شيئاً يذكر، أعني النصوص الطويلة أو القصص، وكان كل ما أكتبه لا يتعدى بعض العبارات القصيرة. على الرغم من أن مخيلتي خلال العام جادت عليّ بأفكار عظيمة ورؤوس أقلام لقصص وحكايات ستكون خلابّة لو كتبتها.
كان الأبطال يعيشون في ذاكرتي، أسمعهم يتحدثون ويمارسون حياتهم هناك وينتظرون أن يُكتب ما يقولون ويفعلون. كنت سعيدة جداً بما يحدث كمن يشاهد فيلماً ممتعاً وكنت أقول لنفسي "أوووه هذا عظيم، سأكتبه حين أعود للمنزل" لكنني أعود متعبة ومتكاسلة عن فعل شيء وأضيع ما تبّقى من وقتي على شبكات التواصل الاجتماعي وقبل النوم أقول لنفسي "لا بأس سأكتبها غداً" وفي الغد يتكرر الأمر ذاته، حتى ملَّ أبطالي الصاخبون مني وخلدوا للنوم أو الموت في ذاكرتي ومعاقبتي على عامٍ من الاهمال.
عندما التقيت الكاتب مريد البرغوثي على هامش معرض نون للكتاب وفي نهاية السهرة شدّ على يدي وقال: "امنحي الكتابة ١٠٥٪ من وقتك ولا تتوقفي، حماسة الشباب مهمة جداً فقومي باستغلالها"
عدت في تلك الفترة من الأردن مثل وعاء ممتلئ بالحماسة. لكنني أيضاً لم أكتب، ياللسخف !
كم كان مؤسفاً أن الشوط الطويل الذي قطعته من عام ٢٠١١ وحتى نهاية ٢٠١٤ تلاشى تقريباً وأن اللامبالاة أعادتني أشواطاً طويلة للوراء. وأن عليّ الآن أن أبداً من جديد واستعيد حماستي وطموحي، فتوقفي عن الكتابة لم يؤثر على الكتابة وحسب بل على فكري أيضاً ومخيلتي وطريقة تعاطّي مع الحياة.
لا أنكر أنني كنت أعوض غياب الكتابة بالقراءة وقرأت هذا العام العديد من الكتب الجيدة، لكن هذا ليس كافياً لكتابة المميز والنص المبهر.
الآن سوف أعِدُ نفسي أمامك أن أحاول الكتابة بشكل يومي أو على الأقل شبه يومي رغم أن الأمر سيكون أشبه بحمل إزميل ضخم للنحت في الصخر.


Comments

  1. تحدث معي كثيرا .. حيث تلعب الفكرة في راسي مباراة من عدة اشواط وعندنا ابدأ بالبث يمتنع اللاعبون عن التهديف .. وحده يبقى الحكم ممسكا صافرته والكرت الاصفر

    ReplyDelete
  2. تحدث معي كثيرا .. حيث تلعب الفكرة في راسي مباراة من عدة اشواط وعندنا ابدأ بالبث يمتنع اللاعبون عن التهديف .. وحده يبقى الحكم ممسكا صافرته والكرت الاصفر

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

رسائل ما بعد منتصف الليل

رسالة إلى صديقٍ غريب - نبال قندس

لم يكن وحيداً، كانت لديه مكتبة