الجزء (1)

لأن الحب الكبير حين يرتطم أرضاً
يُصدر دويّاً ضخماً
ستكون الليلة الأولى عند الفراق هي الأشد وجعاً
سيمر شريط حياتك أمام عينيك 
كل اللحظات السعيدة
كل مرة قلنا بِها "لن نفترق"
وكل كلمة "إلى الأبد"
كل التضحيات
الوعود الجميلة
سهر الليالي الصيفية
الوقوف خلف نافذة الدعاء في الأيام الماطرة
سنذكر دقات قلوبنا قبل اللقاء
ارتباكنا أمام أول كلمة "أحبك"
وكل أحبك جاءت من بعدها
وسنبكي
سنبكي لأن التذكر يُدمي القلب
سنكبي لأن أحلامنا ضاعت هباءً
لأن الأمنيات خذلتنا
وتركتنا معلقين على حافة الأمل
لأن صلواتنا لم تصل
قبل أن يمد الفراق يده إلينا.

الجزء (2)

النهار يهذب أوجاعنا
نخجل من البكاء على مرأى الضوء الأبيض

لا طريق يأخذنا إلى ابتساماتنا ووجوهنا الضاحكة
الأمل وجهة مُغلقة
المزاج رمادي
والسماء أيضاً

وعكات الحنين الليلة لا ترأف بنا
دقات الساعة تفتح أبواب الذاكرة
والبكاء لا يحتاج موعداً مع الأرق

***
كجثة نُبشت فجأة
تتخبط في مسيرها نحو الحياة
نكمل أيامنا ببطئ
ما بين وجع الحنين وملح البكاء
فيضيع الأمل
ويصير اليأس أكثر وضوحاً
من شمس صباحٍ صيفي

***
رفقتنا الوحيدة لأيام طويلة
ستكون سجادة صلاة ودعاء

"أعد يا الله لقلوبنا ما فقدت"
ودون أن ندري
سيصير هذا أملنا ورجائنا.


جزء (3)

كنا نَقول أننا لن ننسى
لن نتخطى الأمر
سنموت أمام الفقد
ستشقى قلوبنا أمام الرحيل الكبير
سنبلغ حافة الهاوية
حافة اليأس
ونسقط هناك
في الفوهة
ونغرق
***
أما الأيدي التي امتدت لإنقاذنا
فلم تحسن الإمساك بِنا جيداً
نصائح الأصدقاء لم تُجدي نفعاً
كانت تزيدنا وجعاً وانكساراً
أمام الخيبة العظيمة
لا نريد أن نعترف لأنفسنا أننا أفضل ممن تركونا
لا نريد أن نعترف بأنهم أمضوا حياتهم من بعدنا
أنهم لم يتوقفوا كما توقفنا
أنهم لم يبكوا كما بيكنا
لم يخسروا ولم يعيشوا الفقد
نريد أن نظلَّ على أمل أن ما نشعر به 
من خذلان ووجع
هو ذاته الذي يشعرون بِه
نريد أن نبرر أفعالهم وهجرانهم
نريد أن نلتمس لهم ألف عذر
وقلوبنا الساذجة تظلُّ تقرأ على نفسها
تعويذة أنهم يحبوننا لكن ظروفهم أقوى منهم 
أنهم يتابعوننا من بعيد كما نتابع أدق تفاصيلهم
ونظل في وهم
***
نَلجأُ للأغنيات القديمة
للصور 
نحدق لساعات
نعيد قراءة الرسائل
والمحادثات الطويلة
كأننا نحيا كل شيء من جديد
وكما كل حياة جديدة
تبدأ بصرخة طفلٍ وليد
نصرخ
ولا أحد سيمعنا سوانا

الجزء (4)

سَوف يَخفتُ الألم يوماً بَعد يوم
المشاعر الغاضبة ستتقَلص
الشوق يَبهت 
وليالي الحنين تَصير أخف وطأة
سيكون الغد أفضل من اليوم
وبعد غدٍ أفضل من الغد

الإنشغال يُسكِّنُ الألم قليلاً
لا حيلة لَنا في أمرنا 
لكن الحياة حين لا تتَوقف على غياب أحد
سَوف تأخذ بأيدينا إليها رغماً عنا
***

لن تَموت الذكرى تماماً
لكن شَغفنا بِها سيكون أقل 
ففي الغياب تَنطفئ أرواحنا
فَنقد رغبتنا في كل شيء.
****

سَتبرز لنا المصادفات من خَلفِ الفراق
ستَقتحم الموسيقى التي استمعنا إليها معهم
طريقنا نحو الحياة
سَنمر رغماً عنا في أماكن جمعتنا بِهم
سوف نصادف أسمائهم في هواتفنا
وقد نلتقي بِهم
فتِلتهمنا حرائق الذاكرة
لكننا -ربما- صِرنا أقدرَ على مواجهة
هشاشة أنفسنا
فنِخيطُ الجُرح الغض قبل أن ينفتح من جديد.

الجزء (5)

مهما قاومنا النسيان
وحاولنا البقاء على عهد الحب
لابد أن أشياءً كثيرة ستتغير
ضحية الجفاء
ضحية المرات التي حاولنا فيها الاقتراب منهم
فقذفوا قلوبنا بالمزيد من الحجارة
والمرات التي حاولنا فيها
إعادتهم إلى كواكبنا
ففروا من مداراتنا هاربين
***

نتوعد أنفسنا
نوبخها
نقول أننا لن نعيد الكرة
لن نقترب مجدد
لن نحاول
لكننا ما إن تلتئم جراحنا قليلاً
حتى نعود من جديد
ونكرر الخطأ ذاته
ونسبب للقلب مزيداً من الألم
حتى نصل إلى تلك النقطة
التي يصير فيها النسيان أقرب من العودة
والتبلد واللا مبالاة أقوى من الأمل
والكرامة أثقل ميزاناً من الحب
****
عندها فقط
وإن عادوا من تلقاء أنفسهم إلينا
لن نعود
لن تشكل عودتهم فرقاً كبيراً
لأننا اعتدنا الحياة دونهم
ولأن حياتنا صارت أفضل
حين اجتزنا القلق الدائم
الفوضى التي أدخلوها إلى حياتنا
والألم الذي سببوه.


نبال قندس 2014
جميع الحقوق محفوظة 


Comments

Popular posts from this blog

رسائل ما بعد منتصف الليل

رسالة إلى صديقٍ غريب - نبال قندس

لم يكن وحيداً، كانت لديه مكتبة