Posts

"لا تحب بِكُلّكْ"

Image
أعرف تماماً شعور الخذلان الدميم، أعرف ما يعنيه أن تخسر صديقاً وثقت به، فقد خُذلت مراتٍ ومرات من أصدقاء وأحباء، فقدتُ على مدى السنوات العشر الأخيرة، عدداً لا بأس به من الأصدقاء ولهذا أفهمك تماماً وأفهم ما تشعر به. هذه الغصة التي تَعلق في سقف الحلق مثل لقمة لا يمكنك بلعها أبداً.   ولكن كما قلتَ نحن نتعلم من تجاربنا رغم قسوتها وهذا ما يجعلنا ننضج، رغم أن صديقتي المقربة تقول أننا يجب أن نتعلم أيضاً من تجارب الآخرين "لماذا أخوض تجربة ما وأنا أرى نتائجها السيئة على غيري، الشاطر هو من يتعلم أيضاً من كيس غيره وليس من كيسه فقط كما يقول المثل بالعامية" ولكنني مثلك، على مدى سنوات كنت أُصر على أن أجرب بنفسي، أن أتعلم من تجربتي مهما كانت التجربة قاسية، لقد أردت أن أُجرب، أن أمنح الفرص للآخرين، أن أراقب ما يحدث وكان لهذا ثمناً غالياً دفعته من عمري وطاقتي الصحية والنفسية. هكذا نتعلم فيصير بوسعنا تقليل عدد هفواتنا المستقبيلة، هكذا نتعلم قول لا للشخص الذي يبدأ معنا بطريقة نعرف تماماً أنها لن تنتهي على خير، نتعلم كيف ندير ظهرنا، وكيف ننسحب في الوقت المناسب وكيف نبتعد عمن يريد استنزافنا. ولكن ع

بدايات ونهايات

Image
أتفق تماماً معك في أننا أبناء النهايات، نحن نتائج نهايات كل ما حدث في حياتنا، بدءًا بانتهاء صداقة طفولة وليس انتهاء بنهاية علاقة عاطفية بائسة. حين أنظر إلى حياتي يبدو لي أنني أستطيع أن أذكر تماماً بدايات الأشياء التي مررت بها، اللحظة الحاسمة التي وقعت فيها في الحب، اللقاء الأول بصديقةٍ جديدة، اليوم الأول في المدرسة أو الجامعة ولكن النهاية لا تكون محددة الملامح مثل البدايات، أراها دوماً أمراً ضبابياً، فلا شيء ينتهي بلحظة واحدة، هي سلسلة طويلة من النهايات الصغيرة المتتابعة تتراكم إحداها فوق الأخرى لتصنع لنا نهاية كبرى. في الحب تبدأ النهاية بنقص الاهتمام، رسالة يتم تجاهلها لساعاتٍ، مكالمة لا يُرد عليها، نسيان موعدٍ، غياب لمسة يد، نظرة فقدت معناها وهكذا تتراكم التفاصيل حتى تتبلور النهاية الكبرى.   وهذا ما يميز النهايات عن البدايات، البداية حازمة، محددة، واضحة لا لُبس فيها، لأننا لم نكوّن بعد شعوراً محدداً تجاه الأشياء والأشخاص الذين نلتقيهم، بعكس النهاية، نحن نحب هذا الصديق، نريد أن نتمسك به، نريد لكفّةِ اللحظات الجميلة أن تحسم الأمر، ونريد أن نمنح عدداً لا نهائياً من الفرص لأننا نخشى الا

رسائل ما بعد منتصف الليل

Image
الواحدة بعد منتصف الليل كان يفترض بي   أن أكتب لكَ قبل رحيلي، وأن اعتذر عن كل الأشياء القاسية التي قُلتها أثناء جدالاتنا المتكررة، عن كل المرات التي أخفقت فيها في اصلاح الصدع الذي كان يكبر بيننا وعن كل الكلمات التي لا يمكن استرجاعها بعد البوح بها. لا يمكن أن أُنكِر، لقد كان عاماً مذهلاً هذا الذي قضيناه معاً، لكن مثل كل الأشياء هناك نهاية حتى للأيام السعيدة التي نود لو تبقى للأبد. لن تصدق هذا لكنني وددت لو أبقى إلى جانبك ذاك المساء نمشي معاً حتى ساعات الفجر الأولى على شاطئ البحر ثم ألوّح لك وأنا ابتعد نحو منزلي وتصير يدي مثل حمامة بيضاء تطير إليك. لكن شيئاً أقوى مني كان يشدني بعيداً عنك، بقيت أقاومه طوال الوقت حتى تمكّن مني في نهاية المطاف. يؤسفني أنني لم استطع منع نفسي من المغادرة وأنني حين ودعتكَ للمرة الأخيرة التي كنتَ تظن أنها مثل كل المرات السابقة وداع قصير لساعاتٍ نلتقي بعدها في مقهانا المفضل على الطاولة الملاصقة للنافذة وكنت أعرف أنه فراقنا الأخير وأنني لن أراك أو أسمع منك لأعوام. الثانية بعد منتصف الليل تصعب الكتابة عن هذا، لأنني أدرك كم تبدو سخيفة محاولات تبرير أمرٍ لا

لوحة

Image
شقة فارغة ونافذة كبيرة بإطار أبيض تُطلُ على البحر ويومٌ أول لأمرأةٍ وحيدة في المدينة. امرأة ظلت تهرب من الماضي، تُبدّل المدن كما تبدل ثيابها كل صباح. تغمض عينيها وتمر بيدها على مجسم صغير للكرة الأرضية تحمله في حقيبة سفرها، وتختار عشوائياً مدينة جديدة تطير إليها.  كلما أقلعت طائرة، بدأت رحلتها في التخفف من ذكرياتها، تُعيد تَمرير شريط حياتها مثل فلمٍ حفظت كل مشهد من مشاهده، ومرة بعد أخرى تُلقي عن كاهلها واحدة من الذكريات. تعيد ترتيب المشهد من جديد بحيث لا تكون هناك، تريد أن تُخفي أي أثر لها بحيث لا تعود الذكرى تخصها. وتترك فراغاً كبيراً، فراغاً لا يُمكن ملئه؛ هكذا تستطيع أن تنسحب من كل ذكرى لئيمة كانت تدمي قلبها وهكذا كانت تشعر أنها أكثر خفة من ريشة تطفو في الفضاء وأنها حققت انتقامها في نهاية المطاف من حياة لم ترغب بها يوماً. بدأت رحلتها في اليوم الذي ضاقت فيه شوارع مدينتها، كانت المدينة تَصغر شيئاً فشيئاً، تصير الطرقات أضيق، تنخفض السماء كما لو أنها تريد أن تسحقها، وتشعر كما لو أن المكان ما عاد يتسع لها، تسأل مَن حولها عن تفسيرٍ لما يحدث لكن يبدو أن لا أحد يلحظ هذا الضيق سواها. لا مسافة

حكايتي الأولى مع الفقد

Image
أفكر فيها بين حين وآخر، تقفز الذكرى في ذهني بلا مواعيد محددة، كما لو أنها قطعت عهداً فيما مضى أن تظل حاضرة في خيال الطفلة التي ودّعتها وسط سحابة الدموع. لا أذكر كم كان عمري حين رحلت، أربعة أعوام؟ خمسة ربما؟ لن يكون هذا الرقم مهماً بقدر أهمية أن هذه كانت تجربتي الأولى مع الفقد، القطعة الأولى التي انفصلت من قلبي، كما لو أنه جسرٌ خشبي يصل بين مكانين كلما انفصلت إحدى قطعه صار الوصول أكثر صعوبة، لقد كانت المرة الأولى التي لا تُنسى، المرة الأولى التي تترك ندبة في القلب، الدموع الأولى السخية على شيء يستحق البكاء، اللحظة التي يدرك الواحد فينا بعدها أنه بات يعي ما يحدث حوله، اللحظة التي لا يعود الطفل بعدها طفلاً بل يدرك أن عليه أن يكبر ويواجه المزيد من فظاعات العالم. يقولون أنها كانت بمثابة أمي، وكلما ذُكِرت من قبل أحد أفراد العائلة، تطفو على السطح فوراً حكايات تعلقي بها، وعن كَمِ الدموع الذي بكيته عند رحيلها. لا أذكر إن كنت قد بكيت على مرّ الأعوام كما بكيت في ذلك اليوم، لكن استطيع أن أجزم أن شعوري حينها لم يتكرر، ربما كنت أعرف بحدس الطفلة أن هذا الرحيل سيكون أبدياً -تقريباً- فبعد ذلك

ماذا علمتني القراءة

Image
لقد تعلمت العديد من الأشياء من خلال القراءة والكتب، لكن أهم ما اكتسبته من مراقبة شخصيات الروايات هو أن أفهم - ولو بشكل جزئي- بعض الشخصيات التي لم أتمكن من فهمها في الواقع. الروايات ساعدتني في تقبّل أناس مختلفين عني، مكنتني من التعاطف معهم. خلال الأعوام الماضية، مر في حياتي العديد من الأشخاص الذين لم أحبهم، كرهتهم، أو تجنّبت التعامل معهم لأن سلوكهم وأفكارهم بالنسبة إليّ لم تكن مفهومة، أشعر اليوم أنني قادرة على استيعابهم أكثر، أبحث لتصرفاتهم ع مبررات ودوافع وأحياناً أدافع عنهم. يبدو أن الواحد منا يظنّ أن شخصه هو النموذج أو الـ " template ” بأفكاره، بسلوكه، وطبيعة شخصيته، ولكن مع الاختلاط بالأشخاص المحيطين يبدأ بتحطيم القالب الذي ينظر ويقيّم ويحكم على الآخرين من خلاله.

ثلاث من أجمل روايات عام 2018

Image
لقد كان عاماً مذهلاً برفقة الكتب ومن أجمل ما قرأت هذا العام من الروايات، ثلاث: حكايات من ضيعة الأرامل، انقاطاعات الموت و ٤٥١ فهرنهايت في رواية حكايات من ضيعة الأرامل ووقائع من أرض الرجال للكاتب الكولومبي جيمس كانيون يأخذنا الكاتب إلى إحدى قرى كولومبيا الجبلية النائية حيث يقتحم الثوار القرية ويقتادون جميع الرجال إلى الحرب ومن يرفض الانضمام لصفوفهم سيكون مصيره الموت.  يذهلني الكاتب الذي يستطيع أن يسحرنا بخلق عوالم كما في هذه الرواية حيث هكذا بين ليلة وضحاها تغدو القرية دون رجال، ونبدأ بملاحظة تبعات غياب الرجال عن القرية. الرجال الذين اعتنوا سابقاً بإدارة أمور القرية اختفوا الآن وعلى النساء تدّبر جميع الأمور الحياتية من نظافة، زراعة، صناعة وغيرها كما أننا في الآن ذاته سوف نستمع لشهادات الرجال الذين ذهبوا إلى الحرب.  يشرح لنا الكاتب في هذه الرواية كيف تنقلب الحياة رأساً على عقب حين تؤدي عاصفة إلى إزالة الطريق الترابي الوحيد المؤدي إلى القرية ولا يعود للنساء أي سبيل للتواصل مع العالم الخارجي ونرى جميع الصعوبات التي ستواجهها النساء في البداية وجميع الخطط التي سو